كرازة بالفرح

كرازة بالفرح
-------------

ليس من شهادة لانجيل المسيح المفرح اعظم من مواجهة الموت بفرح حقيقى داخل لا عن تعصب او اظهار بطولة و انما

عن خبرة الحياة السماوية المفرحة .

تبقى سيرة احد الاحباء بملبور منذ الربع فرن شهادة حية عن اتساع القلب بالحب و الكرازة للاخرين خلال الفرح بالسماء .


اننى اعرض القصة لا من واقع اعترافات الشاب الخاصة و لا كسر عائلي انما خلال تفاصيل رواها الشابىنفسه فهزت قلوب غالبية الاقباط فى المدينة

التى عاش فيها و كان سبب خلاص كثيرين.



فتح الشاب عينه ليجد نفسه ملقيا على احدى اسرة المستشفى بلا حراك تحاصره الام فى كل جسده يبذل اكثر من طبيب و ممرضة

كل جهدهم لتضميد جراحه و انقاذ حياته . بد

ا الشاب يفتح عينيه فتنفس الاطباء الصعداء و حاولت بعد الممرضات ان يتحدثن معه فى اى شئ الا امر الحادث و الاصابات اذ

اردن ان يبعثن روح الطمانينة فى قلبه و حرصن ان يخرجن نفسه بعيدا عن دائرة الالم اما هو فلم يعط لاحاديثهن

اهتماما . انفتحت بصيرة الشاب الداخلية ليرى مخلصه امامه يهتم به و يرعاه . فبدا يناجيه قائلا : كان يمكن ان

تنتهى حياتى فجاة على اثر هذا الحادث كما يحدث مع كثيرين . لكنك تحبنى اعطيتنى فرصة جديدة لاعود اليك بالتوبه

و تكون انت نصيبى . صغرت الدنيا جدا فى عينه و ادرك ان كل ما بذله من جهد لملذاته الخاصه ق تبخر فى لحظات ز شعر و كان شهوات جسده

قد خدعته و الملذات قد ضحكت عليه . لكن هوذا السماء تنفتح الان امام عينه ليرى خطة الله الواضحة لاجل خلاصه .

شعر كان الله ترك كل شئ ليهتم بخلاصه هذا الذى يريد ان الكل يخاصون و الى معرفة الحق يقبلون . انفتحت ابواب الابدية امامه

فنسى الام جسده و انطلق قلبه الى ما فوق حدود الجسد و عبر فوق الزمن . انسحب قلبه تماما عن جسده المصاب و انطلق خارج

المستشفى و سبح فى اعالى السماوات يعلن توبنه الممزجة بالشكر و التسبيح لله مع ان لسانه كان صامتا .

انتهت الفترة الحرجة و زال الخطر و قد ساهم سلامه الداخلى فى سرعه تضميد جراحه و تماثل جسده للشفاء حتى اعطى له تصريح

بالرجوع الى بيته . فجأة شعر الشاب بالام مبرحه فى معدته و اسرع الى المستشفى يطلب الطبيب المعالج له اذ حسبها من اثار الحادث .

فى المستشفى اجريت له الفحوصات و التحاليل الطبيه الازمة . عندئذ اكد له الطبيب ضرورة اجراء عملية سريعة لاستئصال اورام

ظهرت فى معدته . اجريت له العمليه بسرعة فائقة . لم يمض الا وقت قليل ليجد اشاب نفسه قد عاد الى وعيه و الطبيب امامه يتحدث معه فى صراحة كاملة

قائلا له : كنا نظن اننا سنستاصل الاورام التى فى معدتك لكننا فوجئنا بالاورام منتشرة فى كل بطنك فلم نقدر ان نستاصل شيئا.

لقد لحق مرض السرطان بكل احشائك ز كل ما نقدمه لك هو مجموعة من الحقن المسكنة لتخفيف الالم . انها اسابيع قليلة بعدها

تجتاز الام مرة لا تحتمل . ثم تدخل فى غيبوبة على اثرها تنتهى حياتك . لهذا فا نى انصحك ان تغادر المستشفى لكى تدبر امور

الوصية مع محاميك حتى تطمئن على مستقبل زوجتك و طفلك قبل موتك خرج الزوج هذه المرة من المستشفى قبل ان يلتئم جرح

العملية ترافقه زوجته المسكينه ترى شبح الموت يهاجم رجلها الشاب ليحطم الاسرة تماما . التقيت معه و كان مستلقيا على سريره

بلا حراك لكنه فى حيوية عجيبة رفع راسه و تعانقنا ز و كانت البشاشة قد انطبعت على ملامحه و الفح يملاء ق لبه فقد ابتهج بدخولنا كان السماء قد انفتحت امامه .

و انا بداخلى اتساءل هل هذا الشاب يواحه الموت اكيدا و يعرف ان رحيله قد اقترب جدا و ليس من يتحمل المسئولية من بعده نحو

زرجته و طفليه الغرباء ؟ رحب الشاب بقلبه و ملامحه بى اكثر مما بلسانه و طلب من الكل مغادرة المكان لنبقى معا ليعترف . لا استطيع

ان اتحدث عما دار فى تللك الحظة الخالدة التى كنت اشعر فيها بحق ان روح الله القدوس كلن يرافقنا بل يضمنا و كان السماء

قد انفتحت و السمائيين يتهللون فرحا . بعد الاعتراف عاد الزائرون الى الحجرة و دار الحديث كله حول كلمة الانجيل و التسبيح

و حياة الشكر كما كانت الابدية هى مركز تاملاتنا معا .طلب الشاب مجموعة من التسجيلات الخاصة بالقداسات الالهية و التسابيح حتى يقضى

وقته و هو على السرير مشغولا بمخلصه كما طلب ان يتناول منالاسرار المقدسة . كان كثير من الاقباط يقدمون الى بيته ليروا الشاب الذى يولحه

الموت الوؤكد بفرح و سرور ز. اقول بصدق انه فى كل زياراتى التى قمت بها اليه فى ايامه الاخيرة لم اره قط عابسا و لا مكتئبا بالرغم مما يعررف

عن شدة الم السرطان . لم اره قط متذمرا بل كان من النتاملين يقدمون الى بيته و يخرجون و قد ملا السلام قلوبهم . كانت احاديثه مع زائريه تدور

حول رعاية الله له و حبه و حول الابدية التى يجرى نحوها و ينتظرها . مضت حوالى ثلاثة اسابيع و لم يدخل بعد الشاب فة الالام التى اخبره

عنها الطيب لكن فجاة اتصلت زوجته تليفونيا بالكنيسة لتخبر ان زمجها قد دخل فى غبيوبة و صار فى خطر و انها تطلب الاسعلف لتحمله الى المستشفى .

واذ علمت بالخبر فى ساعة متاخرة من الليل ذهبت الى المستشفى لكن هيئة التمريض اخبرتنى ان زوجته قد عادت الى بيتها ليس معه احد من اصدقائه . انه

منذ دخل الغيبوبة لم يتكلم مع احد و ها هو فى انفاسه الاخيرة . دخلت حجرته لاراه بين الاجهزة وحيدا اللهم الا رعاية احدى الممرضات وقفت امام هذا

الملاك الذى حمل الالام بفرح و اتظر تلك الساعة ببهجة قلب . صليت ثم ناديته بصوت خاقت جدا ففتح عينه . لسانه عجز عن هن يتكلم . ابتسم قليلا

ليغمض عينه الجسديتين و بعد دقائق اسلم الروح . لقد انطلق و معه جيش من النفوس التى تعرفت على السماء خلال فرحه بها



الوداعة وقوة الشخصية .....مقال بقلم قداسة البابا شنودة

الوداعة
وقوة الشخصية







من مقالات قداسة البابا شنودة الثالث
بدأت معكم فى مقالى السابق موضوعاً عن الوداعة. فتحدثت عن علاقة الوداعة بدماثة الخلق، فشرحت بعضاً من شخصية الانسان الوديع، ورقته وهدوئه ولطفه واحتماله... ولكى نستكمل هذا الموضوع، علينا أن نتحدث عن نقطة أخرى هامة وهى
علاقة الوداعة بقوة الشخصية، وبالذات بفضائل أخرى مثل الشجاعة والشهامة والنخوة والجرأة، وهل كل تلك الفضائل تتعارض مع الوداعة فى رقتها وهدوئها؟...

** إن الفضائل لا يناقض بعضها بعضاً، فهى تتكامل ولا تتعارض. وينبغى أن يفهم الناس معنى الوداعة فى حكمة. فالمعروف أن الطيبة هى الطبع السائد عند الوديع.
ولكن عندما يدعوه الموقف الى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق، فلا يجوز أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة. أما إن امتنع عن الموقف الشجاع، فلا تكون هذه وداعة حقيقة، إنما تصير رخاوة فى الطبع، وعدم فهم للوداعة، بل عدم فهم للحياة الروحانية بصفة عامة. فالروحانية ليست تمسكاً بفضيلة واحدة تُلغى معها باقى الفضائل، إنما هى فى ممارسة كل الفضائل معاً بطريقة متجانسة ومتعاونة...

إن الشخص الوديع الطيب الهادئ، ليس هو جثة هامدة لا تتحرك.. بل إنه- إذا دعته الضرورة –
يتحرك بقوة نحو الخير ونحو الغير.. ولا يكون هذا ضد الوداعة فى شئ. إنما عدم تحركه يكون نوعاً من الخمول، ويُلام عليه. وربما يصبح هزأة فى نظر الناس...

**
فالوديع يمكن أن يدافع عن المظلوم، وان ينقذ المحتاج. هل اذا رأى شخصاً فى خطر، معرّضاً للقتل من بعض الأشرار، ألا يهمّ بإنقاذه، أم يحجم عن ذلك مدعياً أن الوداعة لا تتدخل فى شئون الغير؟! وهل إن سمع فتاة تصرخ وهى تستغيث بسبب أشخاص يحاولون الاعتداء عليها، أتراه يبعد عن إنقاذها، أم هو بكل شهامة ينقذها، ولو أدّى به الأمر أن يدخل فى عراك أو شجار... فهكذا يكون موقف الرجولة والفروسية. وهو لا يتعارض مع الوداعة فى شئ...

** إن الوديع لا يكون سلبياً باستمرار، إنما يتخذ الوضع الايجابى حينما تدفعه الضرورة الى ذلك. فهو يشهد للحق ولا يمتنع. كما يتدخل لحل مشاكل الغير حين يكون فى طاقة يده أن يفعل ذلك. ويكون حله للمشاكل فى هدوء يتفق مع طبيعته، وفى حدود الواجب عليه.

** من خصال الوديع أنه لا يتكلم كثيراً. ولكنه فى ذلك يضع أمامه قول سليمان الحكيم "لكل شئ تحت السموات وقت. للكلام وقت، وللسكوت وقت"... لذلك فهو يتكلم حين يحسن الكلام. ويصمت حين يحسن الصمت. واذا تكلم يكون لكلامه تأثيره وقوته. وإن صمت تكون فى صمته أيضاً قوة – ولكنه لا يصمت حين تدعوه الضرورة الى الكلام، شاعراً بأننا أحياناً ندان على صمتنا...

** هنا ونسأل: هل يمكن للانسان الوديع الطيب القلب أن ينتهر ويوبخ ويؤدب؟ نقول: إن كان ذلك من واجبه، فلابد أن يفعل ذلك. فالأب له أن يؤدب أولاده، وإن لم بؤدبهم يجازه الله على تقصيره. وكذلك المدرس بالنسبة الى تلاميذه، ورئيس أى عمل بالنسبة الى مرؤسيه. فكل هؤلاء يمكنهم أن ينتهروا ويوبخوا المخطئين، حفظاً على سلامة سير الأمور. ولا يكون ذلك ضد الوداعة... على أن يكون التوبيخ فى غير قسوة، وبأسلوب عفيف لا تتدنى فيه الألفاظ عن المستوى اللائق. والمعروف أن الأنبياء والرسل كانوا يوبخون البعيدين عن طريق الرب لكى يقودوهم الى التوبة. وما كان يتهمهم أحد بأنهم ضد الوداعة.

** فى موضوع الوداعة إذن، ينبغى أن نفرق بين الأشخاص الذين هم فى وضع المسئولية، وبين الذين لا مسئولية لهم. فالذى هو فى منصب الإدارة والمسئولية، له أن يأمر وينهى، بكل حزم لكى تستقيم أمور إدارته. ولكن ليس له أن يأمر فى تسلط أو غطرسة، فهذا لا يتفق مع الوداعة. وهكذا يحتفظ بين الوداعة والسلطة. ولكن الانسان الوديع العادى الذى لا مسئولية له، فإنه ينأى عن الأمر والنهى واستخدام السلطة.

** كذلك فالشخص المسئول ينبغى أن تكون له هيبته واحترامه، لا فى كبرياء، إنما لتوقير منصبه وشخصه أيضاً. ويمكن أن يجمع بين الوداعة والهيبة. فهو لا يكلم الناس من فوق، فى تعالِِ بل فى بساطة وحسن تعامل واحترام لمشاعرهم، دون الإخلال بوقار رئاسته. وهكذا فإن الشخص المسئول، يمكن أن يكون وديعاً، لا وضيعاً. وكبيراً لا متكبراً...

** هل يمكن اذن للانسان الوديع أن يغضب وأن يحتج دون أن يتعارض ذلك مع وداعته.

نعم، يمكن أن يغضب، ولكن فى غير نرفزة (عصبية) لأن النرفزة هى ضعف فى الأعصاب لا يليق بالوداعة. إنما الوديع فى غضبه يعبر عن عدم رضاه، ويعبر عن ذلك فى حزم وفى هدوء، بدون صخب أو ضوضاء... وهو فى غضبه يعمل على تصحيح الأخطاء.

وله أيضاً أن يحتج، ولكن فى أدب وبأسلوب يليق بوداعته. واحتجاجه يكون تعبير عن عدم رضاه.

** ان الانسان الوديع له إنسانيته الكاملة، وله حقوقه وعليه واجبات. وإن كانت الطيبة هى الصفة السائدة فى شخصيته، إلا أنها لا تلغى باقى صفات الشخصية من الشجاعة والشهامة والجرأة والشهادة للحق. كما أن للوديع حماسة قد تظهر فى حينها، وإرادة تحب أن تعمل. والطيبة عنده لا تعنى السذاجة، وإنما هى دائماً تمتزج بالحكمة، وتسلك بالأسلوب الرصين فى هدوء وبعد عن الضجيج.

**
فالوديع لا يهين أحداً، وفى نفس الوقت لا يعرّض ذاته للمهانة.. وهو لا يرد على الإساءة بالإساءة ، وأيضاً يبعد عن المسيئين ويتحاشى الخلطة بهم. وهو يحترم الناس، ويتصرف بما يدعوهم الى احترامه. هو فى مستوى مرتفع عن الخطأ. فبقدر إمكانه لا يقع فى خطأ. أما إن أخطأ اليه أحد، فذاك يبكته ضميره ويبكته الآخرون.

**
لهذا كله لا نتناول الوداعة بأسلوب أنصاف الحقائق، بل نعرضها بحقيقتها الكاملة، سواء من جهة دماثة الخلق، أو من جهة قوة الشخصية أيضاً. وبهذا تتضح صورتها الحقيقية.



 

Featured